info@assayad.com     +971 2 443 7475     +971 777 55 33
العدد 3907
 - 
الإثنين ٢٩ - أبريل - ٢٠٢٤ 
ABU DHABI
ABU DHABI
الإثنين ٢٩ - أبريل - ٢٠٢٤  /  العدد 3907
الأرشيف
تابعونا على فيس بوك
تابعونا على تويتر
وجهات نظر
هكذا كان المقاتل .. "رؤوف"
لم يكن الراحل " رؤوف شحوري" صحافياً مفرداً فقط بل كان .."ثلاثي الأبعاد " : قلم سيّال مبدع ، وإداري حازم ناعم، وعين لا تغفل عن خبر.. ! لم يكن كاتباً فقط ، بل كان مطبعة كاملة بكل ضجيجها ، ويداً معجونة بالأحبار ورقم صعب في بلاط جلالتها.. ! .

كتبت أول مقال لي على ورقة كراسة المحاضرات طالباً في الجامعة ونشرته لي رئيسة تحرير مجلة "آفاق" الجامعية الدكتورة نورية الرومي في عام 1980 ، وكان انتقاداً صنف على أنه "شديد السخونة حاد المفردات وسليط الكلمات" كما تم وصفه من قبل تسعة أعشار الذين قرأوه بعد أن عبر أسوار الجامعة إلى شارع الصحافة في الكويت، وجاء أول اتصال إلى طالب سطّر أول مقال له من مدير تحرير جريدة يومية وصحافي" ثلاثي الأبعاد" ومطبعة كاملة ويد معجونة بالأحبار، يطلب مني الحضور إلى مكتبه في الصحيفة مساء اليوم الذي صدرت فيه المجلة الجامعية، وحوت مقالاً به أشد انتقاد لجماعات الإسلام السياسي "السنّي" التي ابتدأت بالظهور بعنف بعد أقل من عام واحد على وصول آية الله العظمى الخميني إلى مطار "مهراباد" في طهران، وبداية تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران وحكم الإسلام" الشيعي"!.
عندما وصلت إلى مكتبه مساء ذلك اليوم بادر الزملاء في "القبس" وقبل دخولي إليه بقولهم :" سيتحدث معك بعين واحدة ، بينما العين الأخرى سيراقب بها صالة التحرير، "وكشفوا لي السر.. ! لديه جدار زجاجي يطل على صالة التحرير مغطى بستارة ذات شرائح منفصلة عن بعضها البعض، لكنه كان يفتحها بطريقة تجعله يرى ويراقب العمل في كل صالة التحرير، بينما لا بستطيع أحد أن يراه من الصالة ذاتها..!
العمل في "القبس" بزمن "شحوري" أشبه بمعسكر لكتيبة عسكرية ألمانية في زمن الرايخ الثالث، انضباط إلى أقصى حد، خلية نحل لكنها مغطاة بـ "كاتم صوت "، يصل الخبر من الخارج، وكأنه وجبة إفطار وغداء وعشاء ستطبخ على صفحات الجريدة، لتقدم للقارئ صباح اليوم التالي، وربما من هنا جاءت تسمية صالة التحرير في كل صحف الدنيا بأنها .." مطبخ الجريدة ".. !
التقيته ، كان مباشراً وصريحاً وقاطعاً قال لي : " أنت بدأت السلم من أعلاه بهذا المقال الذي أثار كل ذلك الجدل في البلد، وليس من أسفل السلم، نحن كلنا بدأنا صغاراً وكبرناً ، وأنت بدأت كبيراً لذلك لا أريد لك أن تصغر وتختفي ، إبق معنا في "القبس" وتعلم الصحافة من المطبعة، ثم اصعد الدرجات حتى تصل قاعة التحرير ، أريدك صحافياً كامل الدسم " .!
اختلف حساب حقل "شحوري" عن حساب "بيدر" رئيس التحرير.. الذي لم يكن يحمل النظرة ذاتها لقلم وليد، فغادرت الصحيفة بعد أسبوع واحد فقط وقد نشر مقالين لي فيها، لأنتقل إلى جريدة "الوطن" ليبدأ فيها مشوار العمر لأربعين سنة ! .. عقب ذلك جاءني منه اتصال هاتفي حفرت كلماته تحت قاع دماغي يقول فيها : " لا يهم أين تكتب ، حتى لو كتبت بمسمار على حائط من الإسمنت ، فستقرأ الناس ما تكتبه.. " وأغلق السماعة.
"القبس" في زمن قيادة "شحوري" جريدة النخبة والعامة ، الوزير والغفير ، الثري و"المشحّر" ، وما يكتب بها أشبه بـ"ألواح داوود" ومثلما كانت هناك مدرسة "علي ومصطفى أمين" الصحافية في مصر ، كان " لرؤوف شحوري " مدرسته الصحافية في الكويت حتى غادرها إلى باريس عام 1983 قبل أن يعود إلى بيروت وإلى " دار الصياد " التي ابتدأ بها شبابه وانتهى فيها .. بشيخوخته.. !
لم يكن "شحوري" مقاتلاً في الصحافة فقط ، بل مقاتل ضد المرض اللعين الذي ظل ينهشه لثلاث سنوات قبل أن تعود الوديعة إلى بارئها ، قاوم المرض بصلابة مخيفة.. كما يقاومه الدكتور "جمال السويدي" الأديب والمفكر والكاتب الصحافي الإماراتي ، وكما قاومت - أنا أيضاً - ثلاثة أنواع من السرطانات في البلعوم والرئة والصدر ، لنصبح نحن الثلاثة زملاء قلم .. وخصوم اللعين ! .
حين اقتربت نهاية الصحف الورقية لتتحول إلى إلكترونية ظل "رؤوف شحوري" ورقه في صحيفة تشم منها رائحة الحبر ، وقلماً سيالاً ممزوجاً بالحرفية ، وصحافياً قديراً إن مات جسده فلن يموت اسمه، ولن تفنى ذكراه .. كما لم تغب ذكرى معلمه الصحافي والأديب الكبير الراحل سعيد فريحه.. حيث وقف أبناؤه مع "رؤوف" سواء بصفتهم الشخصية.. أو ممثلين بـ"دار الصياد" في سائر أحواله .. في صحته ومرضه.. وعسره ويسره.
رحمه الله رحمة واسعة.

فؤاد الهاشم



اخترنا لكم