info@assayad.com     +971 2 443 7475     +971 777 55 33
العدد 3907
 - 
الخميس ٢٥ - أبريل - ٢٠٢٤ 
ABU DHABI
ABU DHABI
الخميس ٢٥ - أبريل - ٢٠٢٤  /  العدد 3907
الأرشيف
تابعونا على فيس بوك
تابعونا على تويتر
وجهات نظر

بقلم - عماد الدين أديب
في لبنان: "النظام يريد إسقاط الشعب"


لبنان على فراش الموت يحتضر، الأبناء في الداخل، الجيران فى المنطقة، والكبار في العالم، يريدون حصتهم من الإرث التاريخي!.
لبنان كما نعرفه عقب صيغة 1943 انتهى، ولبنان ما بعد تركيبة الطائف لم يعد له وجود، ولبنان السوري مات مع دفن الحريري، ولبنان الإيراني الآن ينازع للبقاء حياً.
عاش لبنان، عاصمته الجغرافية بيروت، ولكن عاصمته السياسية الفعلية هي عاصمة أخرى.
في زمن كانت عاصمة لبنان باريس، وفي زمن عبدالناصر كانت القاهرة، وفي زمن آخر كانت مجموعة حلف بغداد، وزمن رابع كانت سوريا حافظ الأسد، تخللها فترات محدودة لأدوار عراقية (صدام)، وليبية (القذافى).
بعد الحرب الأهلية كانت للبنان عاصمتان سياسيتان في دمشق وأخرى في الرياض.
وبعد الفراغ السياسي أصبحت طهران هي العاصمة الأكثر تأثيراً، وأصبحت منطقة ضاحية الجنوبية هي الأكثر تأثيراً، وأصبح حزب الله يحكم في القرار السياسي من النبطية وصور مرجعيون حتى ساحة النجمة حيث البرلمان اللبناني.
"بيزنس السياسة" أثبت أنه يأتي بمداخيل لطبقة الفساد السياسي في لبنان أكثر من بيزنس السياحة.
وحينما بدأت القوى الإقليمية آخر خمس سنوات تتوقف أو تتأخر في دفعات المال السياسي بقي اللاعب الإيراني هو الممول الأساسي للقوى السياسية فى لبنان، من مختلف الطوائف وعلى كافة المستويات.
أدت العقوبات التي وضعها دونالد ترامب على إيران، وانخفاض سعر النفط إلى ضعف التمويل الإيراني.
والمتابع لعمليات الفساد الحكومي فى لبنان سوف يلاحظ الارتباط الشديد بين خط انخفاض المال السياسي وتحديداً من إيران والسعودية مع زيادة لجوء النخبة السياسية إلى الانغماس في عمليات الاستفادة والاستيلاء على المال العام (اتصالات - كهرباء - مازوت وبنزين - استيلاء على أراض - محاجر - عمليات تهريب - سمسرة مقابل منح تراخيص - إتاوات مالية على المصارف الخاصة - زراعة وتجارة مخدرات - بيع سلاح غير شرعى - فرض شركات بقوة السلطة على مشروعات عقارية).
توقف المال الخليجي مع وصول المال الإيراني إلى أدنى مستوياته، وتجميد المساعدات الدولية، "جفف منابع المال السياسي"، وجعل "المال العام" خلال السنوات الخمس الماضية هو الفريسة الأساسية والمصدر الأكبر لمحاصصة فساد النخبة السياسية.
تراكم الدين العام، بمعنى أن المصارف تقرض مصرف لبنان لصالح الحكومة، حتى يتم توزيع حصصها بعمليات فساد بين النخبة السياسية.
من هنا تصبح مطالبة الثوار منذ أكتوبر الماضي بحكومة تكنوقراط يتميزون بالنزاهة هي أمر موجع لجيوب النخبة السياسية وهو أمر دونه الموت !!
أدركت عواصم العالم الأساسية، وضباط استخبارات السفارات المعنية بالشأن اللبناني في بيروت أن المال العام تم نهبه ولن يعود، وأن الرهان على أي لاعب محلي لبناني تقليدي قد انتهى، وأن البلاد تتجه نحو الانهيار، والنظام نحو التصدع والسقوط، والشعب نحو الجوع المؤدي إلى الفوضى والتمرد والانفلات.
إذن لبنان، كما عرفه العالم يتصدع، وفي طريقه نحو السقوط، هنا يصبح السؤال "من الذي سوف يستفيد من أنقاضه، ومن سيسعى للاستفادة من "موقع هذا العقار الآيل للسقوط، وما هو شكل البناء الجديد الذي يسعى البعض لبنائه".
اختلفت المشروعات، والمصالح، والتصورات لشكل لبنان ما بعد السقوط.
هنا لا بد من محاولة "رصد بديلة" لما يتم تحقيقه لهذا "البلد المبتلى بنخبة سياسية قررت أن تدمره وتبيع أنقاضه".
يمكن إجمال أصحاب المشاريع الجديدة لصناعة لبنان ما بعد سقوط صيغة الطائف على النحو التالي:
1- المشروع الروسي: وهذا هو أكثر هذه المشروعات جدية وشراسة!
كان الاتحاد السوفييتي من أولى الدول التي اعترفت باستقلال لبنان عام 1941.
والتدخل العسكري الروسي فى لبنان ليس بجديد، ففي العام 1773 عند نهاية الحرب الروسية - التركية تم إنزال قوات بحرية روسية لحماية المسيحيين الأرثوذكس في لبنان.
دور سلاح المهندسين الروسي والدولة الروسية في مساعدة لبنان فى التنمية عقب حرب 2006 مستمر لم ينقطع، وأهم ملفات انشغال الروس منذ الحرب الأهلية السورية هو عمل دراسات حول النازحين السوريين وبحث تكاليف إعادتهم بهدف الحصول على الدعم الدولي لمشروع إعادة إسكان 2 مليون لاجئ سوري في لبنان!
تدرك روسيا أن لبنان، جغرافياً، هو الشريان البري لسوريا وبوابته التجارية، وساحله المتشاطئ.
وتدرك روسيا أنه لا يحكم حكم دمشق، إلا من خلال نظام لديه طاعة سياسية كاملة في بيروت.
وتدرك روسيا أن السعي للمياه الدافئة في المتوسط يكتمل من سوريا إلى لبنان، وأن حصص سوريا من النفط والغاز الواعدة تكتمل بوجود 15 مربعاً للتنقيب قبالة الساحل اللبناني.
وتدرك روسيا أن السعي الدولي لإعادة التوطين للنازحين السوريين في لبنان، وإعادة إعمار سوريا هو "مقاولة عظمى" يجب أن تحصل فيها روسيا على نصيب الأسد !
وإذا كانت روسيا تقرأ حالة الفراغ الإقليمي جيداً فهي راغبة أن تملأه مهما كان الثمن.
2- المشروع الثاني: الإيراني: تدرك إيران حصار واشنطن الاقتصادي لها، وضربات إسرائيل الموجعة، والسعى الروسي إلى رحيلها عن سوريا، وهو "أمر واقع لا يمكن منعه ولكن يمكن تأجيله لبعض الوقت"، لذلك تعتمد على حليفها حزب الله في لبنان، والحشد الشيعي في العراق، والحوثي فى اليمن، وحماس في غزة لتقليل الخسائر، ولاستخدامهم جميعاً كأوراق ضغط ومقايضة حينما يتم التفاوض النهائي مع إدارة أمريكية، سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية.
لذلك التخلي عن مراكز القوة في لبنان عقب خسارة سوريا، هو أمر دونه الموت بالنسبة لصاحب القرار الإيراني.
وكما هو حادث من صراع مكتوم بين روسيا وإيران في سوريا على إدارة نظام الأسد، فإن ذات السيناريو قابل للتكرار في لبنان من جانب الإيراني والروسي، اللذين يعتقد كل منهما أنه صاحب مصلحة منطقية فيها.
الروسي يؤمن بأن من يدير سوريا، عليه - بالتبعية- أن يدير لبنان.
والإيرانى، الذى يشعر بأنه مرغم روسياً وإسرائيلياً وأمريكياً على ترك موقعه الاستراتيجى فى سوريا، فإنه، قد يرضى -على الأقل- بعدم التضحية بوجوده بقوة فى لبنان عبر حليفه القوى حزب الله.
3- المشروع الثالث هو: المشروع الفرنسي، ترى فرنسا نفسها "الأم الرؤوم" الراعية للبنان "الفرانكفوني" ومنذ العام 1920 طلبت عصبة الأمم أن تدار لبنان من قبل فرنسا عقب إعلان وفاة الإمبراطورية العثمانية وتقسيم ولاياتها بين دول أوروبا.
ومن نوفمبر 1929 إلى نوفمبر 1931 تم تعيين الضابط الفرنسي شارل ديجول الضابط بهيئة الأركان العامة لقوات "الشام" في بيروت.
كانت فرنسا هي مهندس صيغة المحاصصة الطائفية فى لبنان، بحيث يكون الرئيس مسيحياً مارونياً، ورئيس الوزراء مسلماً سنياً، ورئيس البرلمان مسلماً شيعياً.
ومنذ ذلك التاريخ، فإن الاهتمام الفرنسي بلبنان لم ينقطع، والقلق من اختلال صيغة "المثالثة الطائفية" هو هاجس رئيس الإليزيه.
ووصل حد الاهتمام بالشأن اللبناني فرنسياً في عهد "جاك شيراك - رفيق الحريرى" أن اعتبر - وقتها- شيراك أن اغتيال الحريري هو رصاصة أطلقت في صدره شخصياً وتفجير للعلاقة الخاصة بين باريس وبيروت.
زيارة وزير الخارجية الفرنسي لودريان منذ أيام للبنان تعكس تزايد منسوب القلق الفرنسي مما هو آت في لبنان.
ظهر ذلك في تحذيرات الرجل وعدم رضائه عن أداء الحكومة وتلميحاته بفقدانها للاستقلال الوطنى، وظهر ذلك في رد الفعل الغاضب لتغريدة رئيس الوزراء حسان دياب الذى اعتبر "أن زيارة لودريان لم تحمل معها أي جديد ولديه نقص في المعلومات وربطه للإصلاحات الحكومية بمساعدة لبنان وضرورة المرور عبر صندوق النقد يؤكد أن القرار الدولى هو عدم مساعدة لبنان".
صيغة فرنسا تقوم على رئيس جمهورية مسيحي ماروني غير موال لإيران، ورئيس وزراء سني صديق للمصالح الفرنسية، ورئيس برلمان متمكن من تمرير التشريعات.
وتقوم الصيغة الفرنسية على الالتزام الكامل بطلبات الإصلاح التي تقدم بها صندوق النقد الدولي، حتى تكون مقدمة لدخول استثمارات الدول المانحة للبنان من خلال اتفاق "سيدر" البالغة قيمته 11 مليار دولار برعاية فرنسية كاملة.
4- المشروع الرابع: هو المشروع السوري الأسدي، الذي يرى أن لبنان هي محطة نفوذه الأخيرة وهو يعاني من معادلة مخيفة، وهي بدء تخلي الروسى عنه، وعدم قدرة الإيراني على تمويله، وحصار الأمريكي له، واستباحة التركي لأراضيه، واستحالة تكاليف الحياة على مواطنيه بعد الانخفاض التاريخي للعملة الوطنية مقابل الدولار.
يعيش السوري بلبنان كغرفة إنعاش اقتصادية أجرت له، فهو يحصل على المازوت المدعوم حكومياً من لبنان ويتم تهريبه لسوريا.
ويرى السوري أن الدولار اللبناني هو الصراف الوحيد المتاح لاحتياجات الحياة والتجارة في سوريا.
ويرى السوري أن حزب الله بقواته ومخازن تسليحه وصواريخه هو الاحتياطي الأمني والاستراتيجي له.
من هنا فإن معركة التخلي عن لبنان ستكون معركة حياة أو موت.
5- المشروع الآخر "صدق أو لا تصدق" هو المشروع التركي لبسط النفوذ واستكمال السيطرة على شرق المتوسط من منظور إعادة الخلافة العثمانية.. إنها عودة "الفرع إلى الأصل" كما يراها فكر العثمانية الجديدة، إنها عودة لبنان لحضن الخلافة من خلال إعادة التنظيم الإداري التركي للولايات التي بدأت في عهد السلطان عبدالمجيد الأول الذي قام بمجازر تاريخية عام 1860 في لبنان والشام.
يبدأ التصور الاستراتيجي التركي من قبرص التركية، إلى سوريا، إلى لبنان، إلى ليبيا.
الهدف من ذلك التصور هو وجود منافذ استراتيجية على شرق المتوسط للتحكم البحرى فى المنطقة، بحيث تكون هناك سيطرة حاكمة تفرض شروطها على حصص الغاز والنفط، وهما موردان تخلو منهما الأراضى والبحار التركية.
جبران باسيل، وهو من أركان النظام، حذر منذ 3 أيام من تمدد تركي سياسي مالي وأمني بعلم من أجهزة لبنانية تتعاون معه وتسهل له: ولكن لماذا لبنان؟ ولماذا الآن؟
الحنين الجارف في أنقرة إلى إعادة لبنان لتصبح ما يطلق عليه بالتركية: "منصرف فليغى" بدأ منذ سنوات بخطة جهنمية مدروسة انتقت منهج "التمكين الإخواني" في مدينة طرابلس اللبنانية.
ملامح هذا التدخل اتخذت الأشكال التالية:
1- نشاط قوى للغاية لمنظمة "تيكا" التركية من خلال مشروعات إنسانية وتعليمية في مناطق الشمال اللبناني.
2- تقديم عشرة آلاف منحة تعليمية خلال 15 عاماً لأبناء هذه المناطق.
3- تقديم مساعدات عينية ومادية لسكان المحافظات والبلديات فى تلك المناطق.
4- احتضان العديد من الشخصيات السلفية المتشددة القريبة لفكر الإخوان والقاعدة.
5- منح الجنسية التركية للآلاف من المواطنين اللبنانيين الذين ينتمون لأصول تركية في مناطق عكار وبعض عشائر منطقة البقاع.
ويتردد أن المشروع هو الوصول إلى منح 50 ألف لبناني من سكان تلك المناطق الجنسية التركية.
6- نشاط واسع لشركات الاستثمار التركية في مجال الاستزراع في تلك المناطق.
إبداء الجانب التركي الرغبة في الاستثمار في مجال التنقيب عن النفط والغاز وبناء المصافي في السواحل اللبنانية.
وقد حذر وزير الداخلية اللبناني من هذه التحركات في منطقة الشمال دون تسمية تركيا.
وتحذر مصادر أمنية عربية أن لبنان هي الهدف الاستراتيجي المقبل لتحركات أردوغان، وأن موعد ذلك قد يكون في مقتبل العام المقبل، عبر مناطق الشمال، بمعنى أن يكون الطريق إلى بيروت عبر مناطق الشمال.
7- المشروع الأخير وهو الأخطر هو المشروع الإسرائيلي، الذي لا يسعى إلى احتلال لبنان ولكن يسعى إلى "إخضاعها سياسياً، ويدرك أن هذا لن يتحقق إلا بتدمير البنية العسكرية لحزب الله اللبنانى".
وتقول بعض التسريبات عام 2006 منسوبة لإيهود باراك: إن البقاء العسكري الإسرائيلي فى لبنان هو مصيدة لجيش الدفاع وهو لن يحقق لنا شيئاً، ولكن المهم أن نحقق هدفين أساسيين:
1- تدمير بنية حزب الله العسكرية.
2- ضمان نظام حكم معتدل في لبنان.
وبناء على تصريح علني لأفيخاي درعي المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي "فإنه قد تقرر إرسال تعزيزات من قوات مشاة إلى القيادة الشمالية العسكرية".
ماذا يعني ذلك كله؟ بمعنى ماذا تعني مشروعات: التركي، والروسي، والإسرائيلي، والإيراني، والفرنسي للبنان؟ وماذا يعني ذلك في ظل قانون قيصر الأمريكي، والتوقف عن الدعم العسكرى للجيش اللبناني، وتوقف المساعدات والسياح من دول الخليج، وتجميد المصارف للأموال، وعدم اقتناع صندوق النقد بجدية الحكومة الحالية، وتجميد اتفاقية سيدر، وخروج فيروس الكورونا في البلاد عن السيطرة، ووصول الليرة إلى الدولار ما فوق الثمانية آلاف، واستحالة الحياة للبنانيين بكل طبقاتهم، واستمرار الحكم فى إلقاء اللوم على المؤامرة الخارجية والإعلام الكاذب والكيد الخليجي، والمشروع الصهيوني!
ذلك كله يحدث وحكم المحكمة الخاصة باغتيال الشهيد رفيق الحريري سوف يصدر يوم 7 آب أغسطس المقبل، بما يحتوى من معلومات تفجيرية ومؤلمة.



اخترنا لكم